سوريا- صراع النفوذ التركي الإسرائيلي بعد الأسد وأثره المحتمل
المؤلف: صدقة يحيى فاضل09.08.2025

ممّا لا ريب فيه، تمتلك الجمهورية التركية مكانة مرموقة كدولة إسلامية عظمى. فبموقعها الاستراتيجي ومساحتها الشاسعة التي تناهز 783,562 كيلومتر مربع، بالإضافة إلى عدد سكانها الذي يقارب 85 مليون نسمة، تُعد تركيا قوة إقليمية لا يستهان بها في قلب العالم العربي. ولا ريب في أن هويتها الإسلامية تزيد من أهميتها، وتجعلها أقرب إلى الشرق وعالمه العربي والإسلامي، على الرغم من ميولها نحو الغرب. إلّا أن مسار الحكومات التركية المتعاقبة نحو الغرب، وانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، قد دفعها إلى تبني سياسة التهدئة تجاه إسرائيل.
ولكن، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تدهوراً ملحوظاً، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى رفض تركيا القاطع لعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين. وعلاوة على ذلك، فقد انفتح فصل جديد في هذه العلاقات اعتباراً من 8 ديسمبر 2024، وهو اليوم الذي شهد فرار بشار الأسد من سوريا، الأمر الذي تجسد معه عقدين من التوتر المتراكم بين الطرفين. ومن المتوقع أن يشهد هذا الفصل مزيداً من التدهور، وهو ما سنسعى إلى توضيحه في السطور القادمة.
إذ يتضح بشكل جلي أن خلافاً حاداً يلوح في الأفق بين الجانبين حول الملف السوري والوضع المضطرب الذي تشهده البلاد. فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، برزت على السطح المصالح المتضاربة بين تركيا وإسرائيل في سوريا. فكما هو معلوم، تسعى إسرائيل جاهدة إلى إضعاف سوريا، وذلك تمهيداً لتقسيمها إلى دويلات وكيانات طائفية ومذهبية وعرقية متناحرة. وفي هذا السياق، لا بد من العودة إلى جذور تأسيس الكيان الصهيوني وأفكار قادته الأوائل. فما زال يتردد صدى تصريح شهير لديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قال فيه بوضوح: "لا يمكن ضمان أمن إسرائيل إلا بتدمير ثلاث دول عربية مجاورة، وهي العراق وسوريا ومصر". وها نحن نشهد تدمير العراق وسوريا.
وبما أن إسرائيل تهدف إلى إضعاف سوريا عبر تقسيمها، فإنها ترى أنه ليس من الضروري التفكير ملياً في هوية الجهة التي ستحكم سوريا بعد نظام بشار الأسد، فكل ما يهمها هو أن يكون النظام الجديد خاضعاً لهيمنة إسرائيل. وكانت إسرائيل، كما هو معروف للعيان، تؤيد نظام الأسد بقوة، وتعتبره مكسباً استراتيجياً قيماً لها، لأنه كان يحول دون شن هجمات على الكيان الصهيوني من الأراضي السورية. والأهم بالنسبة لإسرائيل هو أن يكون النظام السياسي الذي سيخلف نظام بشار نظاماً ضعيفاً وهشاً، يتيح لإسرائيل ممارسة عربدتها متى رأت ذلك ضرورياً. والواقع الملموس يشير إلى أن إسرائيل قد انتهكت بالفعل أراضي سورية جديدة، واحتلت مناطق في الحدود الجنوبية لسوريا، وهو أمر لا يخفى على أحد.
ومن بين الوسائل الدنيئة التي تتبعها إسرائيل لتفتيت سوريا هو دعم بعض الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الكردية. فقد وعدت إسرائيل الأكراد بتقديم المساعدة لهم في إقامة دولة خاصة بهم، وذلك في إطار مشروع تقسيم سوريا، وابتزاز تركيا. وكما أشرنا سابقاً، يبلغ تعداد سكان تركيا قرابة 85 مليون نسمة، يشكل الأكراد حوالي 20% منهم، وهم يتطلعون إلى إقامة دولة خاصة بهم تضمهم وبقية الأكراد المتواجدين في كل من العراق وسوريا وإيران وغيرها. ويقدر تعداد الأكراد في هذه الدول بحوالي 34 مليون نسمة (15 مليون في تركيا، و10 ملايين في إيران، و5 ملايين في العراق، و2.5 مليون في سوريا، و1.5 مليون في دول أخرى).
ويعتبر الأكراد أكبر أقلية عرقية في تركيا، وتمثلهم جماعة معارضة مسلحة محظورة تسمى (حزب العمال الكردستاني) (PKK)، وهي تسعى جاهدة لإنشاء دولة مستقلة خاصة بهم. وفي القرن العشرين، بدأت محاولات جادة لإقامة دولة (كردستان) المستقلة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تم وضع التصور الذي أصبحت عليه الدولة التركية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض قيام دولة كردية. وذلك إثر توقيع معاهدة لوزان في عام 1923. ولا تزال (المسألة الكردية) معلقة، بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الإقليمي.
هذا الطموح يقلق تركيا ويدفعها إلى محاولة إخماده. فتنامي نفوذ الأكراد في سوريا يهدد وحدة وتماسك الجمهورية التركية على المدى الطويل. ويعد ذلك من أخطر التحديات التي تواجه الدولة التركية بوضعها الراهن، ومنذ استقلالها عام 1923. فتركيا تضم حوالي 15 مليون كردي يحملون الجنسية التركية. وقيام دولة كردية في سوريا سيؤجج تطلعات الأكراد لإلحاقها وإقامة الدولة الكردية المنشودة.
وقد حاولت تركيا أيضاً القيام بانتقال سلس للسلطة بعد انهيار نظام بشار الأسد. فعدم استقرار الأوضاع في سوريا يشكل تهديداً لأمن واستقرار تركيا. وسوريا المقسمة تعيق طموحات تركيا الإقليمية. فأطماع إسرائيل في التوسع تتقاطع مع الأهداف التركية. وإسرائيل تخشى تشكل هلال سني يمتد من الأردن وصولاً إلى تركيا، مروراً بسوريا. وبناء على كل ما سبق، فمن المتوقع أن يتصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل حول سوريا. وهذا التوتر قد يتطور إلى أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:
- اندلاع حرب غير مباشرة بين الطرفين: حيث تقوم إسرائيل بتقديم الدعم للميليشيات المتمردة على دمشق، بينما تدعم تركيا الأطراف المؤيدة للنظام السوري الجديد.
- حدوث صدام مباشر: وهذا يعني دخول الطرفين في حرب مباشرة. وهذه الحرب، إذا ما وقعت بالفعل، ستعني دخول دولة عضو في حلف الناتو في حرب مع إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة.
- التفاوض لتقاسم السيطرة والنفوذ في سوريا: وقد يتطلب ذلك تدخل وسيط مقبول من الجانبين.
ومن المتوقع أن يتحقق أحد هذه الاحتمالات في المستقبل القريب.
ولكن، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تدهوراً ملحوظاً، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى رفض تركيا القاطع لعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين. وعلاوة على ذلك، فقد انفتح فصل جديد في هذه العلاقات اعتباراً من 8 ديسمبر 2024، وهو اليوم الذي شهد فرار بشار الأسد من سوريا، الأمر الذي تجسد معه عقدين من التوتر المتراكم بين الطرفين. ومن المتوقع أن يشهد هذا الفصل مزيداً من التدهور، وهو ما سنسعى إلى توضيحه في السطور القادمة.
إذ يتضح بشكل جلي أن خلافاً حاداً يلوح في الأفق بين الجانبين حول الملف السوري والوضع المضطرب الذي تشهده البلاد. فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، برزت على السطح المصالح المتضاربة بين تركيا وإسرائيل في سوريا. فكما هو معلوم، تسعى إسرائيل جاهدة إلى إضعاف سوريا، وذلك تمهيداً لتقسيمها إلى دويلات وكيانات طائفية ومذهبية وعرقية متناحرة. وفي هذا السياق، لا بد من العودة إلى جذور تأسيس الكيان الصهيوني وأفكار قادته الأوائل. فما زال يتردد صدى تصريح شهير لديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قال فيه بوضوح: "لا يمكن ضمان أمن إسرائيل إلا بتدمير ثلاث دول عربية مجاورة، وهي العراق وسوريا ومصر". وها نحن نشهد تدمير العراق وسوريا.
وبما أن إسرائيل تهدف إلى إضعاف سوريا عبر تقسيمها، فإنها ترى أنه ليس من الضروري التفكير ملياً في هوية الجهة التي ستحكم سوريا بعد نظام بشار الأسد، فكل ما يهمها هو أن يكون النظام الجديد خاضعاً لهيمنة إسرائيل. وكانت إسرائيل، كما هو معروف للعيان، تؤيد نظام الأسد بقوة، وتعتبره مكسباً استراتيجياً قيماً لها، لأنه كان يحول دون شن هجمات على الكيان الصهيوني من الأراضي السورية. والأهم بالنسبة لإسرائيل هو أن يكون النظام السياسي الذي سيخلف نظام بشار نظاماً ضعيفاً وهشاً، يتيح لإسرائيل ممارسة عربدتها متى رأت ذلك ضرورياً. والواقع الملموس يشير إلى أن إسرائيل قد انتهكت بالفعل أراضي سورية جديدة، واحتلت مناطق في الحدود الجنوبية لسوريا، وهو أمر لا يخفى على أحد.
ومن بين الوسائل الدنيئة التي تتبعها إسرائيل لتفتيت سوريا هو دعم بعض الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الكردية. فقد وعدت إسرائيل الأكراد بتقديم المساعدة لهم في إقامة دولة خاصة بهم، وذلك في إطار مشروع تقسيم سوريا، وابتزاز تركيا. وكما أشرنا سابقاً، يبلغ تعداد سكان تركيا قرابة 85 مليون نسمة، يشكل الأكراد حوالي 20% منهم، وهم يتطلعون إلى إقامة دولة خاصة بهم تضمهم وبقية الأكراد المتواجدين في كل من العراق وسوريا وإيران وغيرها. ويقدر تعداد الأكراد في هذه الدول بحوالي 34 مليون نسمة (15 مليون في تركيا، و10 ملايين في إيران، و5 ملايين في العراق، و2.5 مليون في سوريا، و1.5 مليون في دول أخرى).
ويعتبر الأكراد أكبر أقلية عرقية في تركيا، وتمثلهم جماعة معارضة مسلحة محظورة تسمى (حزب العمال الكردستاني) (PKK)، وهي تسعى جاهدة لإنشاء دولة مستقلة خاصة بهم. وفي القرن العشرين، بدأت محاولات جادة لإقامة دولة (كردستان) المستقلة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تم وضع التصور الذي أصبحت عليه الدولة التركية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض قيام دولة كردية. وذلك إثر توقيع معاهدة لوزان في عام 1923. ولا تزال (المسألة الكردية) معلقة، بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الإقليمي.
هذا الطموح يقلق تركيا ويدفعها إلى محاولة إخماده. فتنامي نفوذ الأكراد في سوريا يهدد وحدة وتماسك الجمهورية التركية على المدى الطويل. ويعد ذلك من أخطر التحديات التي تواجه الدولة التركية بوضعها الراهن، ومنذ استقلالها عام 1923. فتركيا تضم حوالي 15 مليون كردي يحملون الجنسية التركية. وقيام دولة كردية في سوريا سيؤجج تطلعات الأكراد لإلحاقها وإقامة الدولة الكردية المنشودة.
وقد حاولت تركيا أيضاً القيام بانتقال سلس للسلطة بعد انهيار نظام بشار الأسد. فعدم استقرار الأوضاع في سوريا يشكل تهديداً لأمن واستقرار تركيا. وسوريا المقسمة تعيق طموحات تركيا الإقليمية. فأطماع إسرائيل في التوسع تتقاطع مع الأهداف التركية. وإسرائيل تخشى تشكل هلال سني يمتد من الأردن وصولاً إلى تركيا، مروراً بسوريا. وبناء على كل ما سبق، فمن المتوقع أن يتصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل حول سوريا. وهذا التوتر قد يتطور إلى أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:
- اندلاع حرب غير مباشرة بين الطرفين: حيث تقوم إسرائيل بتقديم الدعم للميليشيات المتمردة على دمشق، بينما تدعم تركيا الأطراف المؤيدة للنظام السوري الجديد.
- حدوث صدام مباشر: وهذا يعني دخول الطرفين في حرب مباشرة. وهذه الحرب، إذا ما وقعت بالفعل، ستعني دخول دولة عضو في حلف الناتو في حرب مع إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة.
- التفاوض لتقاسم السيطرة والنفوذ في سوريا: وقد يتطلب ذلك تدخل وسيط مقبول من الجانبين.
ومن المتوقع أن يتحقق أحد هذه الاحتمالات في المستقبل القريب.